سألت الشيخ محمد عن صحة ما رأيت ..فقال إفطر أولا وسأجيبك عن كل أسئلتك ...أفطرت سريعا.. وكعادة السودانيين حفظهم الله كان الشيخ محمد أبرد من الثلج ..يأكل على مهله...وأخيرا إنتهى الشيخ من الإفطار وقال لي... إن الشيخ موسى أحد الأوتاد الأربعة...و إن ما رأيته هو من أبسط الكرامات التي اختصه الله بها... والأوتاد منهم (سيدنا الخضر وسيدنا إلياس عليهم السلام)..."يقارنون الروحانيين بأولياء الله الصالحين"....
فقلت وهل له كرامات أخرى ..قال نعم .. فهو من أصحاب النفحات الإلهية.... استغفرالله....والحضرة النبوية ...استغفرالله....وهو يطوي المسافات ويمشي على الماء و و و و ....
كيف أفسر ما حدث ... لا يمكن أن يكون الشيخ موسى ساحرا أو مشعوذا ..وهو يصلي ..وليس فيه صفات السحرة التي نعرفها جميعا ..فهل هو من أولياء الله الصالحين ...رغم أن كراماته تخل بالعقيدة ففيها النفحات وهي علم غيب وغيرها من الأمور التي لا ترضي الله استغفرالله ... هذا السؤال وغيره من الحقائق التي اكتشفتها عوضتني عن كل خسائري ...........
دخل علينا الشيخ موسى وقال ..إسمع يا بني ..أنت قررت السفر ..و أنا أردت أن أريك بأن من أرسلك إختار لك المكان الصحيح ..و أن الخوارق إما معجزات للانبياء أو كرامات للصالحين بعون من الله .., أو سحر و شعوذة بعون من الشيطان و أتباعه...ولك الاختيار ...ثم قال وكأنه علم بما في نفسي ...
إعلم أن الكرامات يسبقها الايمان والإخلاص... ويتبعها العلم والخلاص ... ثم قال.. إن وجدت في نفسك الميل للإيمان والإخلاص بالصبر... فعد إلينا فإما أن تجدني و إما أن يسخر الله لك من هو أحسن مني... المهم أن تكون صادقا .
قررت السفر إلى المغرب لترتيب بعض أموري والعودة في أقرب فرصة ...غادرت القرية وقد أصبح لي فيها أصدقاء و أحباب اجتمعوا لوداعي ...تأخر الشيخ موسى ليكون آخر من يودعني ...وعندما حضنني أصبت بنوبة بكاء ...شاركني فيها أغلب الحضور...اقترب الشيخ موسى من أذني وهمس قائلاً ..سوف تعود قريبا بإذن الله.. ولا تشغل بالك ..فهنا لن ينقصك شيء...المأكل والمشرب والسكن والزوجة أيضا إن رغبت في ذلك..
لا أنكر أنني أحببتهم جميعا ...ولكن الشيخ موسى أخذ في قلبي الحيز الأكبر.. وصلت إلى الدار البيضاء و أنا محمل بكثير من الذكريات عن هذة الرحلة... مرت أيام و أسابيع ليس لي حديث سوى عن الشيخ موسى ...وكل ما أجد مهاجر سوداني أختلق حجة للحوار معه ... وبدون أن يشعر أحول الحوار إلى الحديث عن القرية وأهلها .. وعن الشيخ موسى الذي وجدت أن أناسا كثيرون يعرفونه ويشككون في مقابلتي له.. نظرا لمكانته الدينية ولوقته الذي لا يصرفه إلا في العبادة وحل مشاكل الناس ....
وفي المقابل.. قابلت أناسا شككوا في الشيخ موسى ..وأقسم بعضهم أن الشيخ موسى ليس إلا مشعوذا من الدرجة الأولى... لذا زودني بعض الأفارقة بعناوين بعض السحرة في السودان وتشاد... كما أن (إدريس فلاتة) الذي أحضره لي صديقي عادل ..أعطاني عنوان شخص إسمه (أبو جعفر) تشادي مسلم يتحدث العربية... وقال.. قابله قبل أن تقابل صديقك موسى ...وسوف يختصر عليك مسافة كبيرة ....
وبعد أن زاد في قلبي الشوق للقرية وللشيخ محمد والشيخ موسى ...قررت السفر إليهم .. فبعت سيارتي و بيتي في الحي المحمدي ....بهدف الهجرة إلى السودان والبقاء حتى أصل لهدفي ...مهما كانت المدة ..سنة سنتين عشرة... لن أتراجع حتى أعرف حقيقة الجن ...هذا العالم المجهول الذي نُسجت حوله كثير من القدرات الخارقة ......
وهذا ما حدث... بعت السيارة والبيت ...وخلال أقل من ثلاثة أشهر...عدت إلى السودان محملاً بالهدايا "مصاحف ومسابح وبعض الملابس البسيطة"... وكنت في غاية الفرح عندما وصلت إلى القرية ... أقام لي السكان وليمة اجتمع فيها كل أهل القرية ..عدى الشيخ موسى ..الذي علمت أنه في خلوة ...ولن أستطيع مقابلته قبل عدة أيام ... مرت تلك الأيام بطيئة ...فقد كنت في شوق لمقابلة الشيخ موسى وكأنه أبي ...وأخيرا تم هذا اللقاء في مسجد القرية ...حيث سلمت الهدايا للشيخ موسى ليوزعها على من يرى ...وقد وزعها ولم يترك لنفسه شيئا... (بدأت أشك أنه من أولياء الله الصالحين ..رغم أن بعض أفعاله تخالف العقيدة )... ولكن ربما لأنني أحببته كنت أتغافل عن بعض الأشياء .....
قضيت أكثر من شهر برفقة الشيخ موسى ...ولاحظت أنه عبارة عن مجموعة من المتناقضات ...فهو يحفظ القرآن الكريم كاملاً والكثير من الأحاديث والروايات ويحضر للمسجد قبل الصلاة بوقت كافي ...ويبقى بعد الصلاة يحدث الناس ويحل مشاكل بعضهم.. وفي نفس الوقت يقول بأنه ليس مكلف بالعبادة... و أن الله رفعها عنه ..و إنما هو يفعلها تطوعاً ...لذا فإنه أحياناً لا يصلي.. ويدعي أنه في حضرة الله ...(استغفر الله ) كما أنه يدعي بعضا من علم الغيب ..و أنه يجلس مع الرسول عليه افضل الصلاة والسلام . "كذب و افتراء"
بعد وقت ليس بطويل ....غادرت القرية متجها إلى تشاد... أو بالاصح لضواحي "أدري" لملاقاة الساحر (ابو جعفر).. وقد أبدى استعداده من أول لقاء لي معه على تعليمي الخطوات الاولى للسحر خلال 3 اشهر ...كما أنه سيأمن لي المسكن والمأكل والخدمة ...و أنا أكمل الباقي ...و أكد لي أن الموضوع ليس سهلا ويعتمد علي بالدرجة الأولى... وكل ذلك مقابل ألفين درهم في الشهر ...فوافقت دون تردد...بشرط أن يريني ما يثبت أنه ساحر .... فما كان منه إلا أن أدخلني إلى منزله... وهو عبارة عن كوخ مغطى بسعف النخيل ...و أخذ يردد عبارات بلغة غامضة.. فامتلىء المكان بالفئران ...كانت تخرج من كل مكان...ثم قال ..سأريك شيئا آخر.. وكان لديه خزان ماء ..فرفع الغطاء وتركه ..فبقي معلقا في الهواء... ثم أخذ يرفع الماء من الخزان بوعاء صغير.. فكان الماء يخرج في كل مرة بلون مختلف .. قلت هذا يكفي ...
وقررت البقاء والتعلم من أبو جعفر أساسيات السحر ...فحدد لي غرفة صغيرة قريبة من مسكنه.. مبنية من أغصان الشجر ..ومغطاة بسعف النخيل ..وقال.. هذه صومعتك ..فإما تخرج منها ساحرا.. و إما أن تفقد عقلك... فقلت له.. وهل أستطيع أن أصلي ..فقال جملة سيكون لها أثرا كبيرا في مسيرتي في هذه الطريق ...قال ...إفعل ما تشاء ..فالدين ليس له علاقة بما سوف تتعلم...
وقال... سوف نبدأ بالقراءة.. القراءة فقط ..ثم فتح صندوقا عنده.. و أخرج لي كتاباً قديماً إسمه (العزيف ) و إسم كاتبه (الحظرد) مكتوب بخط اليد "نسخة أصلية ليس التي تملىء الأرصفة"..وقال.. يومياً تقرأ منه 10 صفحات.. و أنا معك ..ثم سأتركك لتقرأ وحدك إلى أن أعود إليك ... فقلت موافق ...
بدأنا القراءة ثاني يوم في صومعتي ... كانت القرية بعد صلاة العشاء تكتسي بالظلام ...فيحل عليها سكون مخيف لدرجة أنك قد تعتقد أنها قرية أشباح ..فلا صوت ولا نور إلا بعض الإضاءة البسيطة هنا وهناك على مسافات متباعدة ...وكنا نشعل شمعتين و أجلس أنا في إحدى الزوايا كما أمرني ..وهو في الزاوية المقابلة وأبدأ بالقراءة وهو يستمع إلي ....
كانت الصفحات الأولى من الكتاب ..تتحدث عن القبور والموتى ..وكيف يمكن أن تلتقي أرواح الموتى معنا..." أصبت بالرعب من الصفحة الأولى فكيف بقية الكتاب"....أكملت الصفحات العشر بينما هو مشغول بالمسبحة يردد كلاما غير مفهوم .. وعندما رفعت رأسي لأرى إن كان سيذهب كما قال ..فلم أجده...اختفى دون أن يترك أثرا.. أو يحدث صوتا.. (أستطيع أن أقول أنني أصبت بحالة خوف لم أشهدها من قبل.. رغم كل تجاربي ) حاولت أن أغادر الغرفة فلم أستطع ..حاولت أن أصرخ فلم أستطع ..( فتكومت في زاويتي أبكي من الخوف ) ....
ورغم هذه الظروف الصعبة واصلت القراءة ...وكان أبو جعفر يأتي ويختفي ..ولم أعد أهتم لذلك ولا أخاف من حدوثه ...أكملنا الكتاب وبدأنا في غيره..وتوالت الكتب ..فقضيت في تلك الغرفة أكثر من 7 أشهر...قرأت وشاهدت وسمعت مالم يكن ليدور في ذهني في يوم من الأيام ..وخرجت من تلك الغرفة بلا قلب ..فلم يعرف بعدها الخوف طريقه إلى نفسي ..وخلال بقائي تلك الفترة والتي تلتها ..رأيت من ذلك الرجل قسوة لم أرها من أي إنسان ..ولكن النتيجة كانت مذهلة.. وفي فترة بسيطة لم تتجاوز السنة والنصف ..استطعت أن أتعلم جزء كبيرا من علم السيمياء و الحرف والأرقام والنجوم والرمل ....
يتبع..........

ليست هناك تعليقات:
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.